بواسطة : عثمان أحمد الزهراني
9:11 م - 2020/08/31 - 818
عندما يرحل الرائعون من حياتنا ليست السمآء وحدها تبكي عليهم، بل صدى الذكرى الحسنة لايزال يدمي قلوب المحبين ويعصر جفونهم فلو بكوا كبكاء السمآء لعذرناهم لأنهم فقدوا عزيزا عز في الوجود مثله وخسروا لوحة جميلة في حياتهم يقتربون منها دائماً عندما تزداد همومهم وتتعكر صفو الحياة أمامهم
ويزداد الألم وتكبر المصيبة عندما يكون هذا الراحل عن دنيانا الفانية أحد والديك وأنت لازلت صغيراً فهذا يعني انك لاترى الحياة إِلاّ بعينٍ واحدة. فالحياة سيكون طريقها شائك صعبة المرتقى بدون وجود الأب.لأن الحياة طُبِعت على كَدَرٍ
وأنت تريدها صفواًمن الاقذاءِوالأكدارِ.
فكل قضية ستواجهها مستقبلاً من ظلم أو جور أو قضاء حوائج أو تربية وتوجيه لايكون الاب خط الدفاع الأول فيها ستكون هشّة ونفق مظلم ،الله وحده اعلم بنهايته إلاّ أن يشاء الله (وربك يخلق ما يشاء ويختار)
ولن يتحمل كل هذه المسؤليّات ويسدّ هذه الثلمة إِلاّ أمٌ رَؤوم صالحة، فالأم جامعة للحياة ومدرسة لنوائب الدهر
ورحل والدي رحمه الله .ورحل معه كل ترفيه وكل حنان وبسمه وقُبْلَة كانت في قاموس احلامي بل رحل الأمان الذي يخفف نبضات قلبي. لم اعش تفاصيل ربيع عمر والدي رحمه الله وإلا كان صنفت كتاباً يحكي تفاصيل مراحل عمر ابن مع ابيه لان شمس والدي غابت عن عيوني ولازلت صغيرا بل كان كثير الاسفار لجمع قوت اهله .
فلم يعتاد لساني أن يردد
يا أبي…. ياأبتاه….. يابه …
كأقراني واصحابي
لذلك كان من اشدّ المواقف التي علقت في ذاكرتي
وأنا في المرحلة الابتدائية عندما أقامت مدرستي حفلاً وكانت معظم فقراته أنا اقدّمها
وأُعطيت لنا دعوة لآبائنا
فارتجفت يدي وبللتها دموعي وانفطر لها قلبي وكانت براءة طفولتي تقول ان الذي لا أبّ له لايحقُ له حظور الحفل.فقلت لأستاذي اعتذر لن أحظر لأن أبي مات فاحتظنني وشاركني الدموع.ولايزال الألمُ باقٍ لم تنتهِ الحكاية لا استطيع استقبال اولياء الامور الذين حظروا مشاركة ابناءهم لان والدي ليس بينهم بل
لن ارى والدي جالسا مع اولياء امور اصدقائي ولن اسمع تصفيق أبي الحار وتكبيره إِذا ابدعت في تقديم فقراتي اخاف تخنقني عبرتي وانا اوزع نظراتي على الحاضرين اثناء تقديم الفقرات لان كرسي والدي لا احد يجلس عليه.رحمك الله يا والدي ….
ماتت فقرات حفلي بعد حين ، وبقيت مواقف حياة أبي تُذكر بعد 46 سنة من وفاته فالذّكْرُ الحسن عمر ثانِ للإنسان وتلك عاجل بشرى المؤمن
كان رحمه الله يفعل ما يوعظ به، فينطبع نقشاً في قلبه فيكون
ما عَقِلَهُ أشد تثبيتا.لذلك كان صيّناً ديّناً رحمه الله
هنيئاً لوالدي رحمه الله ..محبة الناس وثناؤهم له فلم يعش في القرون المفضلة ولكن عاش اخلاق القرون المفضلة فبقي اثره الى يومنا هذا بعد ست واربعين سنة
وما المال والأهلون إِلا ودائعٌ
ولابد يوما أن تُردُّ الودائع
لوكان والدي رحمه الله عالماً او داعية أو مؤلفاً او ثرياً باذلا في وجوه الخير مع ما جمعه من الابتسامة وحسن الخلق وطيب المعشر والامانة والعطاء والعفاف والإيثار وصلة الرحم والصلاة كما وصفه اصدقاؤه وجماعته ومعارفه لكانت دائرة معرفة الناس له عريضة وجغرافية شخصيته واسعة
كان شعاره رحمه الله
( حسن الخلق شيئٌ هيّن وجه طلق وكلامٌ ليّن)
وكانت حكمته التي يؤمن بها( بذل الندى وكف الاذى يورثان محبة العبد في قلوب العباد)
أما الابتسامه فلاَ تفارق محيّاه وقد جمّلها ثغرهُ وحُسْنُ ثناياه
وأما حسن الخلق وطيب المعشر لايكاد يذكره احد من معارفه إلاّ ويترحم عليه ويكثر الدعاء له
وأما الأمانة فكان مسؤول المالية أيام سكناه مع اصدقائه
في الأسفار رحمه الله
واما العطاء كما يقول اصحابه لايرد احد طلبه أو استدان منه ولا يهتم متى يعود له ماله واذا عاتبه اصحابه يردد ستعود ان شاء الله
وأما العفاف فيقول بعض اصدقائه
كانت ابصارنا تذهب ذات اليمين وذات الشمال ونحن في طيش الشباب
واما احمد بن عطيه رحمه الله كان عفيفا شريفا يغض بصره عن عورات المسلمين
واما ايثاره عندما كان في الدمام يبحث عن وظيفة هو واثنين من اصدقائه
فوافق صاحب الشركة تشغيل والدي ورفض الباقين فاعتذر والدي بقوله إمّا أن تجمعنا أوتتركنا ولما رأه مُصِراً على رأيه وافق صاحب الشركة على الجميع
فكان جزاء النية الحسنة وحب الخير للغير قُبلِوا جميعا
اما الصلاة فيقول اصحابه نحن نصلي ونترك.واما احمد كان شديد الحرص على الصلاة لايتركها ونحن في زمان كان ميزان الصلاة خفيف في ذلك الوقت وكان ابريق الوضوء وسجادته معه في سيارته
أمّا صيام النوافل فمات رحمه الله بحادث سيارة على طريق الجنوب بعد عيد الفطر وهو صائم الست من شوال وموعد الإفطار ان شاء الله في الجنةوالدخول من باب الريان ان شاء الله
اما صلة الرحم فمن لي بمثل ابي
جدول حياته مزحوم بزيارة اقاربه وارحامه واصدقاءه
هنا عرفت وايقنت ان السر في حب الناس لك يا والدي بعد مماتك هو (من أحب ان يُنْسأُ له في اثره فليصل رحمه) فقلبك الكبيروحبك للجميع وحسن خلقك معهم وعلاقتك بربك والنية الحسنة ترسم للإنسان آخر لوحة في حياته لتكون له عمراً ثاني وتمنحه نقشاً في قلوب المحبين
دقات قلب المرء قائلةٌ له….
إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها
فالذِّكْرُللإنسان عمر ثاني
فالحمد لله الذي جعل لوالدي لسان صدق في الآخرين
اللهم اغفر لأبي وارحمه وأكرم نزله ووسع مدخله واعذه من عذاب القبر وفتنته. ومن عذاب النار
اللهم اجعل مأوآه الفردوس الأعلى من الجنة والحقنا به في جنات النعيم .اللهم لاتفتنّا بعده ولاتحرمنا أجره وبره بعد مماته
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات
ومن يقرأ مقالي فليُؤْمّن على دعائي ولاينس ان يدع لوالدي والمسلمين
والحمد لله رب العالمين