بواسطة : د صالح الحمادي
2:02 م - 2020/12/05 - 740
فجر يوم الجمعة 19 ربيع الثاني 1442 وبعد الصلاة مباشرة اجتمعنا مع الخلان الأوفياء تحت “الحماطة“ ثم شدينا الرحال نحو أذكياء ثاه وحورة قيس وشامخات ذمسودة الذين يحلون المشاكل ، بل أرتقوا بدافع نظرية وعاء السلطة ونظرية بوتقة الأنصهار كعباقرة يمنعون وقوعها حتى لو بأثر رجعي قبل سبعين عاماً.
انطلاقنا نحو قمم شعف آل ويمن ، وهناك جدلنا أشعة الشمس ثم انحدرنا نحو “ريده” مروراً بجبل عرفه إلى جبل ثاه واستقر بنا المقام في حورة قيس بعد مشوار حافل وممتع ومشقة طريق لا يعلم بواطنها إلا سكان تلك المواقع الشامخة.
على المطل تربعنا على شاطئ الجبل الأسر نشاهد الطبيعة الخلابة، والشخوص الطيبة والشجر الذي حدث زوار ثاه وجبل قيس بكل اللغات وسمعت همس الجبال الراسيات وخلافاتها الحادة وتشققاتهاالصخرية التي شوهت فساتين عرسها وبعثرت عطر زهورها حتى نهودها، ومن خلال خبرتي بمثل هذه الخصومات الأزلية ترجمت أحاسيس ووجدان الجبال الشاهقة والأودية السحيقة وفهمت أو هكذا فهمت إنهم أشفقوا على حال المرضى والحوامل والمسنين وزهور شباب وشابات هذه المناطق وكأنهم يبحثون عن نفق يختصر المسافة والتعب ليس إلا.
لم نتوقف عند خلافات الجبال وصخورها لكي لا نخدش الرحلة بالعزف على وتر الوجع فكان النهاوند والبنجكة ونوتة الفلكلور الشعبي حلا ممتعاً من “مدلقم“ النهار و“مدعرم“ المساء ، وكانت بهجة السرور والحبور تتنقل بين القدور والخطوة والمسيرة بمهارة فائقة.
عندما مالت الشمس بدأنا نلملم ذكرياتنا الجميلة ونودع ثاه ، وجبل قيس متجهين إلى شامخات وطن ال ذمسودة وهناك قرأنا وسمعنا وشاهدنا قيمة ومكانة وعطاء الإنسان والتقينا فعلاً بمسنين وشباب اتفقوا جميعاً على إيجابية التفكير، وعزل المحبطين أصحاب التفكير السلبي ، فأعادوا مسجد القرية المبني قبل ستمائة سنة تقريباً وسلكوا الطرق المؤدية لحصون القرية ، ووضعوا أجمل ذكرياتهم في “الجرين” حيث الحب والبن يستدعيان عاصفة الذكريات الجميلة من خلال إطلالة الشموخ غادرناها بوجع تسرب الوقت ورغبة البقاء ، واتفقنا على العودة لذات المكان الأسر والممتع.
تسرب الوقت الجميل وبدأ الركب يتجه نحو السراة عبر الشعبين ثم عقبة الصماء وكانت الذكريات السردية تملأ الثواني والدقائق والساعات وكانت دغدغة زيارة “قبري” عند مرورنا بقرية زبنة وجو أبر شيبان تغري الرفاق بزيارة القبر الشهير ولكن هذه الرحلة المبهجة التاريخية الجميلة لا تستحق الخدش بقبر مر عليه أربع وستين عاماً لا أعلم من سكنه بعدي.
فيما كان رفاق الدرب يتصفحون جماليات الرحلة من بدايتها إلى نهايتها ذهبت للتغذية الراجعة على خطى أمير عسير تركي بن طلال بن عبدالعزيز الذي أتى لذات المكان وشاهد بنفسه همة الرجال في الجبال الشامخات ووطن ال ذمسودة وممرات السعادة هنا وهناك، وجلوسه ساعدة كاملة في مجلس “كبارنا او قديوانية النشامى” في ذمسودة هنا عاودتني الدهشة وصدمة جولتي الوحيدة مع سموه في شرق المنطقة “عرين قحطان والأمواه وطريب وتثليث” عندما عدت منهكاً ، كتبت مقال ذيلته بعبارة “توبة” وفعلاً لم أكرر ذلك الركض المتواصل من بعد صلاة الفجر إلى منتصف الليل .
في هذه “القزمية الابهاوية ” التاريخية الشيقة تذكرت تعب شرق المنطقة من خلال مرورنا بمحطتين فقط على خطى أمير عسير تركي بن طلال فعدنا منهكين فكيف كان حاله عندما مر في ذلك اليوم بعشر محطات بدأت من “ثاه” مروراً بحورة قيس وذمسودة وانتهت منتصف الليل في الحريضة ؟
أثناء “القزمية” ظهرت بوادر حل الأزمة الخليجية وهذا أمر مبهج وتذكرت قناة الفتنة “الجزيرة” وغرور الفرس والأتراك وكلام المرتزقة المثقوب كالأحذية القديمة وتذكرت قرع الطبلةِ والعقول الفارغة شذاذ الأفاق فإين تشيح وجوههم؟
عموماً نجح سكان “ثاه” وحسوة بني زيد ،وشامخات ذمسودة في ترجمة نظرية وعاء السلطة ونظرية بوتقة الانصهار بالتفاعل الثقافي والرفض لفلسفة المجتمع غير المتجانس واحتفظوا بعاداتهم وثقافاتهم وقيمهم ، أما خلافات قمم الجبال فقد حاولنا عقد جلسة اصلاح لتقريب وجهات النظر لكن الرفض كان حاسما لأن نقطة الخلاف هي بحث عن نفق يضيء في أخره شمعة بهجة الحياة ليس إلا.